كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الباقون أن صدوكم أي لأن صدوكم وحجتهم أن الصد وقع من الكفار والمائدة في آخر ما أنزل من القرآن وقد صحت الأخبار عن جماعة من الصحابة أن نزول هذه السورة كان بعد فتح مكة لم يكن حينئذ بناحية مكة أحد من المشركين يخاف أن يصد المؤمنين عن المسجد الحرام فيقال لا يحملنكم إن صدكم المشركون عن المسجد بغضكم إياهم أن تعتدوا عليهم فلما كان كذلك دل على أن القوم إنما نهوا عن الاعتداء على المشركين لصد كان قد سلف.
{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}
قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص وأرجلكم بالفتح وحجتهم أنها معطوفة على الوجوه والأيدي فأوجبوا الغسل عليهما وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر قال كنت أقرأ أنا والحسن والحسين قريبا من علي عليه السلام وعنده ناس قد شغلوه فقرأنا وأرجلكم فقال رجل وأرجلكم بالكسر فسمع ذلك علي عليه السلام فقال ليس كما قلت ثم تلا يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم هذا من المقدم والمؤخر في الكلام قلت وفي القرآن من هذا التقديم والتأخير كثير قال الله اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ثم قال والمحصنات من المؤمنات وعطف ب المحصنات على الطيبات وقال ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما ثم قال وأجل مسمى فعطف الأجل على الكلمة وبينهما كلام فكذلك ذلك في قوله وأرجلكم عطف بها على الوجوه والأيدي على ما أخبرتك به من التقديم والتأخير.
وأخرى هي صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه أنه توضأ فغسل رجليه وأنه رأى رجلا يتوضأ وهو يغسل رجليه فقال بهذا أمرت وقال صلى الله عليه وسلم: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار». وعن ابن مسعود قال خللوا الأصابع بالماء لا تلحقها النار.
وقال عبد الملك قلت لعطاء هل علمت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه مسح على القدمين فقال والله ما أعلمه والأخبار كثيرة في هذا المعنى وقد ذكرناها في تفسير القرآن.
وأخرى قال الزجاج الدليل على أن الغسل هو الواجب في الرجل وأن المسح لا يجوز تحديد قوله إلى الكعبين كما جاء في تحديد اليد إلى المرافق ولم يجئ في شيء من المسح تحديد قال: فامسحوا برؤوسكم بغير تحديد في القرآن.
قال ويجوز أن يقرأ وأرجلكم على معنى واغسلوا لأن قوله إلى الكعبين دل على ذلك كا وصفنا وينسق بالغسل على المسح كما قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا ** متقلدا سيفا ورمحا

والمعنى متقلدا سيفا وحاملا رمحا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر وأرجلكم خفضا عطفا على الرؤوس وحجتهم في ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال الوضوء غسفتان ومسحتان وقال الشعبي نزل جبرائيل بالمسح ألا ترى أنه أهمل ما كان مسحا ومسح ما كان غسلا في التيمم.
والصواب من القول ما عليه فقهاء الأمصار أن الغسل هو الواجب نحو الرجلين ويجوز أن يكون قوله وأرجلكم بالخفض حملت على العامل الأقرب للجوار وهي في المعنى للأول كما يقال هذا جحر ضب خرب فيحمل على الأقرب وهو في المعنى للأول.
قال الفراء وقد يعطف بالاسم على الاسم ومعناه يختلف كما قال عز وجل يطوف عليم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين ثم قال وحور عين وهن لا يطاف بهن على أزواجهن.
{وجعلنا قلوبهم قسية 13}
قرأ حمزة قلوبهم قسية وقرأ الباقون قاسية وحجتهم إجماعهم على قوله فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله فلما أجمعوا على إحداهما واختلفوا في الأخرى رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه.
وهما لغتان بمنزل عالم وعليم.
وحجة من قرأ قسية هي أن فعيلا أبلغ في الذم والمدح من فاعل كما أن عليما أبلغ من عالم وسميعا أبلغ من سامع وهي فعيلة من القسوة.
وقال آخرون بل معنى قسية غير معنى القسوة وإن معنى القسية التي ليست بخالصة الإيمان أي قد خالطها كفر فهي فاسدة ولهذا قيل للدراهم قد خالطها غش من نحاس أو غيره قسية وقال أبو عبيدة القسية هي الرديئة مشبهة بالدراهم القسية.
والأصل في قاسية قاسوة لأنه من قسا يقسو فقلبوا الواو ياء لما قبلها من الكسرة والأصل في قسية قسيوة فقلبوا الواو ياء وأدغموا الياء في الياء.
{يا ويلتى 31}
قرأ حمزة والكسائي يا ويلتى ويا حسرتى ويا أسفى ممالا وحجتهما أن النية فيها إضافة الويل والحسرة والأسف إلى نفسه فكأنه في المعنى يا ويلتي ويا حسرتي فلما جعل الياء ألفا أمالاها ليعلما أن أصلها كان ياء لأن الإمالة من الياء.
وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أنها ألف الندبة ولا أصل لها في الإمالة.
{جاءتهم رسلنا 32}
قرأ أبو عمرو رسلنا ورسلكم ورسلهم بإسكان السين إذا كان بعد اللام أكثر من حرف وكذلك مذهبه في سبلنا فإذا كان بعد اللام حرف ضم السين مثل رسله وحجته أنه استثقل حركة بعد ضمتين لطول الكلمة وكثرة الحركات فأسكن السين والباء فإذا قصرت الكلمة لم يسكن السين.
وقرأ الباقون رسلنا بضم السن وحجتهم أن بناء فعول وفعيل على فعل بضم العين في كلام العرب ولم تدع ضرورة إلى إسكان الحرف فتركوا الكلمة على حق بنيتها.
{سماعون للكذب أكالون للسحت 42}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي للسحت بضم الحاء وقرأه الباقون ساكنا وهما لغتان مثل الأذن والأذن والقدس والقدس والسحت هو الحرام سمي سحتا لأنه يسحت البركة أي يمحقها.
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص 45
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن كلها بالنصب والجروح رفعا.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة جميع ذلك بالنصب وقرأ الكسائي كلها بالرفع.
فمن قرأ العين أراد أن العين بالعين فأضمر أن وهذا مذهب الأخفش ومذهب سيبويه نسق على قوله أن النفس بالنفس.
وحجة من رفع الجروح ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال رفع على الابتداء يعني والجروح من بعد ذلك قصاص.
وحجة أخرى هي إنما اختاروا الانقطاع عن الكلام الأول والاستئناف ب الجروح لأن خبر الجروح يتبين فيه الإعراب وخبر الاسم الأول مثل خبر الاسم الثاني والثالث والرابع والخامس فأشبه الكلام بعضه بعضا ثم استأنفوا الجروح فقالوا والجروح قصاص لأنه لم يكن خبر الجروح يشبه أخبار ما تقدمه فعدل به إلى الاستئناف.
وحجة الكسائي في ذلك صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه أنه قرأ والعين بالعين والأنف بالأنف كلها بالرفع قال الزجاج رفعه على وجهين على العطف على موضع النفس بالنفس والعامل فيها المعنى وكتبنا عليهم النفس أي قلنا لهم النفس ويجوز أن يكون والعين بالعين على الاستئناف وعند الفراء أن الرفع أجود الوجهين وذلك لمجيء الاسم الثاني بعد تمام خبر الأول وذلك مثل قولك إن عبد الله قائم وزيد قاعد وقد أجمعوا على الرفع في قوله أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين فكان إلحاق ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى.
قرأ نافع والأذن بالأذن ساكنة الذال في جميع القرآن كأنه استثقل الضمتين في كلمة واحدة فأسكن وقرأ الباقون بالضم على أصل الكلمة.
{وليحكم أهل الإنجيل با أنزل الله فيه 47}
قرأ حمزة وليحكم أهل الإنجيل بكسر اللام وفتح الميم جعل اللام لام كي ونصب الفعل بها وكأنه وجه معنى ذلك إلى وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة 46 وكي يحكم أهله بما أنزل الله فيه.
وقرأ الباقون وليحكم ساكنة اللام والميم على الأمر فأسكنوا الميم للجزم وأسكنوا اللام للتخفيف.
وحجتهم في ذلك أن الله عز وجل أمرهم بالعمل بما في الإنجيل كما أمر نبينا صلى الله عليه في الآية التي بعدها بما أنزل الله إليه في الكتاب بقوله وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله.
{أفحكم الجاهلية يبغون 5}
قرأ ابن عامر أفحكم الجاهلية تبغون بالتاء أي قل لهم يا محمد أفحكم الجاهلية تبغون يا كفرة.
وقرأ الباقون بالياء أي ايطلب هؤلاء اليهود حكم عبدة الأوثان وحجتهم ما تقدم وهو قوله قبلها فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم.
{ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم 53}
قرأ ابو عمرو ويقول الذين آمنوا بالنصب رد على قوله فعسى الله أن يأتي بالفتح 52 وأن يقول الذين آمنوا وقرأ أهل الحجاز والشام يقول بغير الواو وكذلك هي في مصاحفهم وحجتهم ما روي عن مجاهد في تفسيره فعسى الله أن يأتي بالفتح فتح مكة أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين يقول الذين آمنوا أي حينئذ يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أي ليس كما قالوا.
وقرأ أهل الكوفة ويقول بالواو والرفع على الانقطاع من الكلام المتقدم فابتدأ الخبر عن قول الذين آمنوا وقد يجوز أن تكون مردودة على قوله فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ويقول الذين آمنوا أي وترى الذين آمنوا يقولون أهؤلاء الذين أقسموا بالله.
{من يرتد منكم عن دينه 54}
قرأ نافع وابن عامر من يرتدد منكم بدالين وحجتهما إجماع الجميع في سورة البقرة ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت بدالين وقرأ الباقون من يرتد بدال مشددة.
اعلم أن الإظهار لغة أهل الحجاز وهو الأصل لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضاعفين ظهر التضعيف نحو قوله إن يمسسكم قرح ولو قرئت إن يمسكم قرح كان صوابا والإدغام لغة غيرهم والأصل كما قلنا يرتدد فأدغمت الدال الأولى بالثانية وحركت الثانية بالفتح لالتقاء الساكنين.
{لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء 57}
قرأ أبو عمرو والكسائي من قبلكم والكفار بالخفض على النسق على الذين أوتوا الكتاب المعنى من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار وقرأ الباقون بالنصب على النسق على قوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا ولا تتخذوا الكفار أولياء.
{وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت 6}
قرأ حمزة وعبد بضم الباء الطاغوت جر يقال عبد وعبد قال الشاعر:
ابني لبينى إن أمكم ** أمة وإن أباكم عبد

قال الفراء الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو رجل حذر ويقظ أي مبالغ في الحذر فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان وكذا قرأ مجاهد ثم فسره وقاله وخدم الطاغوت قال الزجاج وكان اللفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم منكم عبد العصا تريد إن فيكم عبيد العصا والنصب في عبد من وجهين أحدهما على وجعل منهم عبد الطاغوت والثاني على الذم على أعني عبد الطاغوت.